قيادة يسوع
صموئيل بالمقارنة مع شاول
«كونك قائداً» ينبع من العلاقة مع الله ومن شعب الله.
2/12/2007
توجد بالطبع أنواع عديدة من المواهب والقيادة في جسد المسيح (أف 4؛ رو 12؛ 1 كو 12؛ 1 تي 3؛ تي 1). ولا يتحدّث الفصل الرابع من أفسس عن نضج العلاقة الممكنة في جسد المسيح وعمقها فحسب بل يذكر أيضاً الوسائل اللازمة للوصول إلى تلك الغايات:
“وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ، إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ. كَيْ لاَ نَكُونَ فِي مَا بَعْدُ أَطْفَالاً مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولِينَ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ، بِحِيلَةِ النَّاسِ، بِمَكْرٍ إِلَى مَكِيدَةِ الضَّلاَلِ. بَلْ صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ، الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّبًا مَعًا، وَمُقْتَرِنًا بِمُؤَازَرَةِ كُلِّ مَفْصِل، حَسَبَ عَمَل، عَلَى قِيَاسِ كُلِّ جُزْءٍ، يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ لِبُنْيَانِهِ فِي الْمَحَبَّةِ.” (أفسس 11:4-16).
وبدون هؤلاء القادة الموهوبين (الرسل والأنبياء والمبشرين والقسس والمعلمين)، سوف نبقى “محمولين” ولن نعرف ما معنى أن يكون الجسد “مركباً معاً ومقترناً”. وهذا يختلف جداً عما يحدث في عالم الكنيسة الاعتيادي. فالألقاب الرسمية ليست طريقة الله، وهذا أمرٌ مهم بكل تأكيد. فيسوع نفسه قد منع الألقاب وهذا بحد ذاته اختبارٌ لمصداقية القيادة الإلهية بالمقارنة مع القيادة البشرية.
لقد ارتكبنا جميعنا في سائر أنحاء العالم خطأ كبيراً جداً يتعلّق بالقيادة في الكنيسة. فمن يصبح القائد أو «القس» في كثير من الأماكن هو الشخص الذي يدرس الكتاب المقدّس في كلّية اللاهوت أو معهد للدراسات الكتابية، أو هو رجل أعمال ناجح أو متكلّم جيّد. وكثيراً ما رأينا في الهند وبعض البلدان الأخرى أن الشخص الذي لديه درّاجة ويمكنه القراءة يتم اختياره للقيادة أيضاً. هذه ليست طريقة اللهّ، فالقيادة بحسب قصد الله لا تقوم على القدرة على القراءة أو على مقدار المعرفة، أو القدرة على التكلّم أو أفضلية الخبرات في مجال الأعمال أو كمية الثروة أو العلم أو الجمال أو المظهر الحسن أو الدراجة.
اسمحوا لي أن أصف لكم نوعين مختلفين جداً من أنواع القادة. الأول هو الذي يقود من القلب، بدافع علاقة مستمرة مع الله. أما الثاني فهو قائد بسبب المركز وربما يكون له لقب وقد يكون “الشخص الرئيس” أو المسؤول الرسميّ. إن يسوع لا يرغب في قيادة بسبب المراكز بل إن قادة الكنائس هم الذين يسيرون بقرب حميم من الله في يومنا هذا. إذا كان الأخ أو الأخت لا يسيران على نحو وثيق مع الله اليوم فلا يمكن اعتبارهما مناسبين للقيادة. وإذا لم يكن أحد ما قريباً من الله في الأسبوع الماضي لكنه تاب عن خطيّته في حياته وهو الآن أفضل وقادر أن يسمع الله فهو قائد أفضل في هذا الأسبوع مما كان عليه في الأسبوع الماضي. «كونك قائداً» ينبع من العلاقة مع الله ومن شعب الله. إنه لا ينجم عن مركز أو لقب. يوجد قادة عديدون في المدينة التي أعيش فيها، ولكن لا يوجد «مسؤولون». وقد لا يكون القائد في هذا الأسبوع قائداً في الأسبوع القادم. قال يسوع إنه يملك كل سلطان في السماء والأرض. وهذا لا يزال صحيحاً، لذلك فإن سلطة الإنسان تتناسب طرداً مع قدرته على الاستماع ليسوع، وهذا هو الأمر كله لأن يسوع قال إن «كلّ سلطان في السماء والأرض هو له». إن الشخص الذي لا يعرف يسوع ولا يطيعه يمكن أن يكون «شكليّاً» ومثل هذا قد يُطاع بسبب «مركزه» بقدر ما يسمح الضمير ولكنه «قائد» بمقدار معرفته ومحبته وطاعته للرأس الذي هو يسوع.
هناك في الواقع مثال في الكتاب المقدس عن هذين النوعين من القادة الشديدي الاختلاف. كان صموئيل وشاول كلاهما قائدين لشعب الله في القديم، إسرائيل. كان صموئيل رجل الله وذا تأثير في الأمة لأنه عرف الله. تحلّى صموئيل بالعديد من مواصفات الملك في إسرائيل لكنه لم يكن ملكاً! لكنّ شاول دُعِي ملكاً. فقد طلب شعب إسرائيل أن يكون لهم ملك، وأرادوا رجلاً واحداً يكون المسؤول ويحلّ محلّ صموئيل، وأرادوا «ملكاً» مثل باقي الأمم من حولهم. وبطريقة ما، تبدو القيادة متشابهة إلا أن صموئيل لم يكن له «مركز» سلطة بل تصرَّفَ بدافع علاقته مع الله، أما شاول فتصرّف بدافع مركزه/وظيفته. لم يكن لصموئيل مكتب ولا سكرتيرة ولا راتب شهريّ. فهو ليس في مرتبة «الموظّف» كملك. كان صموئيل مجرّد رجل الله الذي حظي بالاحترام كأحد الملوك لكنه لم يكن له مكتب ولا مركز. لم يكن ملكاً، ولا «قساً». لقد أحب الله من كل قلبه، وبما أنه استطاع أن يعرف الله فقد صار له تأثير. لم يكن له مركز...لكنه كان مؤثّراً. إذا كان أحد الناس يعرف الله حقاً فلا بدّ أن يساعد شعب الله. وسأقولها مرة أخرى: إن رجل الله الحقيقي ليس لديه مركز... لكن لديه النفوذ. يصف الفصل 29 من سفر أيوب رجلا يقدّره الله والناس، ويخشاه الشيطان ويكرهه. مثل هذا الرجل لا يحتاج إلى منصب أو لقب أو راتب. إذا كنت مثل يسوع، فإنك لا تحتاج إلى “السلطة”.
أما من جهة الشيوخ والشمامسة فسوف تلاحظ في السجل الكتابيّ أن : 1) نادراً ما تجتمع المؤهلات في عالمنا وعصرنا (انظر 1 تي 3 وتيطس 1)، وينبغي ألا يُرَشّح إنسان ليصبح راعياً/ناظراً/ شيخاً أو شمّاساً/خادماً بدون أن تتوفّر فيه هذه المؤهلات. 2) لم يسبق أن يتم وضع الشيوخ من قبل الجماعة أو عن طريق التصويت في أي وقت مضى في الكتاب المقدّس. 3) لم يسبق للشيوخ أن ينصّبوا في مراكزهم في أي جماعة في المراحل المبكّرة من حياة الكنيسة معاً، ولكن بعد أن يثبت هؤلاء الرجال أنفسهم بأنه سبق وتصرّفوا قبلاً كرعاة ومعلّمين وآباء (ا يو 13:2) في وسط عائلة الله. لقد كان الرسول بولس مثلاً يترك المجموعة الجديدة من المؤمنين بدون ناظرين ومن ثم يرجع ثانية ويعيّن أولئلك الذين يخدمون كرعاة بما ينبع عن محبتهم وموهبتهم ونضجهم. فلم يكن في كنيسة أورشليم “شيوخ” لمدة عقد من الزمان بعد أن تأسّست الكنيسة هناك. فليس تعابير: شيوخ/رعاة/نظّار وخدّام/شمامسة في الكتاب المقدّس “مناصب مؤسّسية كنسيّة” كما هي الحال في أيامنا هذه.
إذا كنتُ نجاراً على سبيل المثال، فإنني أصنع الأشياء من الخشب. وهكذا أصنع كرسياً وطاولة، أو باباً خشبياً. ولو كنت بنّاءً لصنعت الأشياء من اللبن. فما أصنعه من اللبن يثبِتُ بأنني بنّاء. وما أصنعه من الخشب يثبت بأنني نجّار. وفي الكتاب المقدّس تشير كلمة “قس” (وهي في الواقع ترجمة ضعيفة) إلى موهبة الرعاية والعمل اليوميّ بين شعب الله بالإضافة إلى المواهب الأخرى- لا إلى ربّ العمل أو “الرئيس المتكلّم” في أحد الاجتماعات. أين الدليل على أنني قس/راعٍ؟ الدليل هو أنني أحبّ شعب الله! وأنا أساعدهم نهاراً وليلاً. لست بحاجة إلى مركز لأتمكّن من القيام من ذلك. ولست بحاجة إلى لقب. لست مضطراً لأن أكون زعيماً. إنني أحب الناس وأشاركهم بالموهبة التي لي وأساعدهم. والدليل على كوني نجّاراً هو الكرسيّ الذي صنعته. والدليل على كوني قساً/راعياً هو أنني أطعم شعب الله كل يوم، وهم يزدادون قرباً من يسوع بسببي. فإذا رأيت أن واحداً من شعب الله جائع فهذا يكسر قلبي. وإن رأيت أن أحد أفراد شعب الله في مأزق أو خطر فإن قلب الراعي في داخلي يلتهب من أجله لكي أحميه. وهذا هو الدليل على أن الله مسحني لأكون قساً. لست بحاجة إلى بطاقة تعريف. لست بحاجة إلى شهادة أضعها على الحائط أو دبلوم من جامعة اللاهوت. أحتاج إلى قلب لكي أحبّ عمل الله وأفعله، ولذلك سأحمل أثماراً فائقة للطبيعة في أي مجال وهبني إياه.
فهل أنت نجّار؟ اصنع الكراسي. هل لك موهبة الراعي؟ إذاً أحبّ الناس- أطعهم، احمهم وساعدهم. هذا ينطبق على أي موهبة! إن الدليل على أي موهبة هو الثمر الذي تحمله.
و بطبيعة الحال، عكس كل هذا صحيح أيضاً. فمن العجيب أن الوثنيّين يطلبون ممن لديهم آراء وانتقادات ويدّعون “الخبرة” في مجالات العلوم والطب والصناعة بأن يعرضوا شيئاً يثبت بعض هذه الأثمار في حياتهم لكي يبيّنوا أنهم أهلٌ لاستعراض علمهم أو لإعطاء المحاضرات أو الحكم على الآخرين. أما في الدين، فالناس يبدون أكثر عمى وانحيازاً. فهؤلاء الذين ليس لديهم إلا القليل من الأثمار في حياتهم وفي أُسَرِهم وفي اجتماعاتهم، كثيراً ما تصدر عنهم بسهولة الانتقادات واستعراض الخبرات وإطلاق الأحكام وتدمير العلاقات وحتى الافتراء. وهذا هو مدهش حقاً لكنك ستراه صحيحاً إذا ما تابعت دين البشر بانتباه وإخلاص. إن الشخص الذي يكذب في هذه الأمور أو يفتري أو يتصرّف وكأنه خبير في الهندسة أو الطب أو الأعمال التجارية قد يتعرّض للسجن. أما في الدين، فيمكن للناس أن يجمعوا لأنفسهم جمهوراً من الخائفين أو الساذجين أو من الذين يمكن قهرهم وابتزازهم أو الإطراء عليهم لجرّهم إلى الروتين العقيم واتباع “الخبراء”. هذا غريب لكنه صحيح ويحدث في كل وقت لأن هذه هي الطريقة التي تجمع فيها الإمبراطوريات الخاطئة أعداداً من البشر عن طريق الخوف والإطراء والنميمة والغمز والافتراء أو الابتزاز العاطفيّ. ولا عجب أن يسوع لم يبلِ بلاءً حسناً في العالم الدينيّ المقبول في أيّامه. ولكن يمكننا أن نتعلّم منه ونحتضن الكتاب المقدّس ونبحث عن الثمر، لا عن الإشاعات المترافقة مع برامج وميزانيّات خفيّة، ومع الأنا التي يسعى صاحبها لحمايتها. لا شكّ أنك فهمت الفكرة :)