دعوته
لم يأتِ يسوع ليجعلنا أكثر ذكاء، لقد أتى ليعطينا حياة أفضل- لكي نختبر حياته يومياً في كل منا، لا أن نقول عبارات مستعارة ونرنّم ونصلّي كلمات دينيّة تطلق من وراء زجاج الكنائس الملوّن!
2/12/2007
لقد اجتذبت هذه الدعوة الناس منذ ابتداء الزمن ليطلبوا الله. إنها دعوته لنا أيضاً. هذا هو معناها. فهي ليست تعليماً خارجياً لكنها تُصوّر ما في داخلنا وتجتذبه، وكأننا ننظر إلى الله بكل ما يتميّز به من صفات قائلين: “لا أستطيع أن أعيش بدونه أو بدون ما يراه ثميناً وهاماً! لا أريد أن أعيش بدون ذلك! لا يخطر ببالي أن أعيش خارج إرادته لحياتي أو خارج مقاصده. أريد أن أتبع الحمَل أينما يذهب. أعطي له كل ما يريد من حياتي! إنه خبز الحياة، حيث أجد كل الغذاء والشبع. إنه صورة عن القيادة واللطف والمسامحة والرحمة التي لا أستطيع العيش بدونها- والتي لا أريد أن أحيا بدونها! أريد أن أراه قوياً. أريد أن أراه شديداً. أريد أن أراه لطيفاً. أريد أن أراه محباً ورحيماً. أريد أن أراه حكيماً بما يفوق التعبير. وأريد أن أكون معه! أريد أن أسمع كل كلمة يقولها. لا أريد أن أبعد أكثر من مسافة خطوة عنه كل أيام حياتي. لا أستطيع أن أحوّل القفا له بسبب كبريائي الأنانية أو كسلي أو مشاعري الجريحة. لا أقدر أن أحوّل القفا. فالتجربة موجودة ولكن الخسارة التي سأجنيها إن رضخت لها فادحة جداً.”
يتمتّع يسوع بكل هذه الصفات، فمعرفته واسعة وحكمته تفوق الوصف. إنه سيّدنا، هو يسوع. ليست هذه قصة خرافية، وليست هذه قصة عن إله قد خلق الأرض ويجلس على عرش عظيم أبيض. إنها تتعلق بشخص يسوع وبالآب الذي يسود علينا. فلو نظرنا إليه أو لو أخذنا بعض الوقت لكي نتقابل معه، فلن نستطيع على الإطلاق أن نقاومه فيما بعد. فقد كانت المشكلة نقصاً في الإرادة لتسليم نفوسنا ليديه القويّتين والمحبّتين. فهو جدير بالثقة إلى أبعد قياس. ولكننا لسنا دائماً قريبين بما يكفي لكي نلاحظ هذا فنحن نشغل أنفسنا ونتصرف بأنانية وبقلة اهتمام- ولذلك لا نقضي وقتاً لنتأمّل به ونُسبى بجماله.
ويعلم الآب أنه لو خصّصنا وقتاً لنقضيه معه في ابنه، فسوف يعلن لنا صفاته بطريقة لا تقاوَم، فجودة صفاته مذهلة. ويوجد شيء ما يتعلق بالوجود معه يشدّك بعيداً عن كل الأشياء التي تعيقك وتجرّك. وفجأة ترى نفسك أسيراً لشيء خارج نطاق المجرى العادي لاختبارك. إنه يسوع! وهو يدعونا لكي نسير معه. وسوف يبهرك بكل مواصفاته في اللطف والرحمة والغفران الأبديّ.
سترى الابتسامة على ثغره والبريق في عينيه. سترى كيف تجري الرياح بين خصل شعره. سترى وتسمع وتختبر أشياء تأخذك إلى عالم آخر لا يوجد فيه زمن (رؤ 12:1-18). سوف ترى قيادته وقوّته. وسوف ترى كيف يحلّ مشكلة الخطية. وسترى أن لديه تركيزاً ورؤية واضحة على ما ينبغي أن تكون الحياة عليه. وسوف تسمع عمق ضحكته وتشعر بدفء عناقه المشجّع.
تعال اتبعه وسوف يقودك ويظهر لك قوته. سيريك كيف تعيش بمسلك ثابت، حياة ذات جودة مذهلة، وهذا ما سيجعلك تودّ الاقتراب منه لأن عنده الأمان والضمان. سيريك لطفاً ورقةً تدخل إلى أعماق قلبك وحياتك. إن أتيت إليه ووضعت حياتك التعيسة الممتلئة بالأنا فسوف يغسلك ويطهّرك ويضع روحه في داخلك. ومن ثم سيُخرج ما فيك من لآلئ وياقوت ومجوهرات. وسوف يعلنها ويجعلكَ ملكاً ويجعلكِ ملكةً.
يريد الله أن يبني جيشاً من الأتباع، ولكن القضية ليست أمراً لاهوتياً منطقياً تعليمياً- “اتبعني وإلا ستمضي إلى الجحيم”. إن هذا صحيح ولكن ليس له علاقة بما جاء يسوع ليريه للاثني عشر. هل تظنّ بأنهم تبعوا يسوع في كل أنحاء البلاد لأنه كان يشير إليهم بإصبعه قائلاً لهم أن يتبعوه وإلا سيمضون إلى الجحيم؟ هل قرأتم أي مقطع في الكتاب المقدس يعلّم بذلك؟ هل هذا ما فعله عندما مضى وصلّى إلى الآب كلّ الليل؟ هل قال، “أيها الآب أرني ما ينبغي أن أقول”، ثم وقف وقال، “أنتم الاثنا عشر، تعالوا معي وإلا فستمضون إلى الجحيم”؟ لا. لقد أرادوا أن يكونوا معه لأنهم رأوا فيه شيئاً أدهشهم. لقد رأوا حكمته ولطفه وصبره. لقد رأوا فيه قيادة قوية وصفات ثابتة. رأوا ذاك الذي يستطيع أن أن يتلقى صدمات الحياة بدون أن يتزعزع وهو يبتسم في وجه الحياة ابتسامة مرسومة على زاوية صغيرة من فمه، والجرأة ظاهرة في عينيه. وقد أراد التلاميذ أن يكونوا مثله- أرادوا أن يكونوا معه! لم يرغبوا في الذهب إلى أي مكان آخر لأنه لم يوجد أي مكان آخر يرغبون في الوجود فيه إلا بجانبه (متى 19:4-22؛ يوحنا 68:6؛ أعمال 20:5؛ أعمال 19:3-20).
لم يكن يسوع بحاجة إلى أن يهدّدهم، وهو لا يهدّدنا أيضاً. إنه يدعونا لنراه كما هو ونشاهد الصفات المدهشة التي يتمتّع بها وشخصه العجيب...وذلك لكي نرغب في الوجود معه في هذه الحياة وفي الحياة العتيدة. إنني أريد بالحقّ أن أكون مثله عندما أنمو.
سيرجع يسوع بعد وقت قصير من أجل عروسه. ومشيئة الآب من نحونا هي ألا نلازم العروس بل أن نكون العروس... لا أن نحضر إلى بيت ما بل أن نكون له بيتاً. إذا رجعت إلى الوراء إلى زمن العهد القديم فسوف ترى أن رغبة الله هي دائماً في مسكن، فهو لا يرغب فقط في أن يخلص الناس ويمتلكهم بل في أن يجمعهم في مسكن يمكن أن يعيش معهم فيه على هذه الأرض التي خلقها. لقد أخبرنا يسوع في لوقا 17 بأن مملكته ليست هنا ولا هناك، لكنها في داخل الناس الذين وسّعوا قلوبهم طارحين إلى خارج أمور العالم والشهوات الجسدية والرغبات والطموحات. ينبغي أن نكون أولئك الناس الذي هيأوا ليسوع مكاناً في قلوبهم حسبما علّم يسوع في يوحنا 8. هذه هي طبيعة جسده الحيّ، الكنيسة التي تسمى في اليونانية «إكليزيا» أي الشركة مع الله.
لم يأتِ يسوع لكي يغفر الخطايا فحسب، مع أن ذلك رائع جداً، ولم يأت لكي يجعلنا نفكّر في تعاليمه. لقد أتى يسوع لك نختبر الحياة ذاتها التي يعيشها مع الآب- وليس لمجرّد أن نحيا هنا ثم نموت وبعدها نمضي إلى السماء. وكما يقول الكتاب المقدّس، لقد جاء إلينا لكي نعيش “بقوة حياة لا تزول” ونختبر الشركة والحياة والمحبة نفسها التي كانت ليسوع مع الآب ومع إخوته.
ليس الخلاص نهاية المطاف بل على العكس، هو بعيد عنه جداً. وكما في حالة ولادة يسوع، فإن ولادتنا هي مجرّد بداية قصة فائقة القوة يريد الله أن يسردها فينا (كو 26:1-29؛ غل 19:4؛ يو 38:7). ورغبته هي أن يتصوّر المسيح فينا وأننا نحن (شعبه، وعروسه، وبيته، وكنيسته) نغدو تعبيراً عن المجد الكامل ليسوع الناصري على كوكب الأرض في يومنا هذا. ليست مسرة الله بأن يعكس الأفراد صورة يسوع بل أننا معاً نصبح تمثيلاً مطابقاً ليسوع.
يرتبط اختبار هذا “الغنى الذي لا يُستَقصى” بشكل كاملٍ بأسلوب حياتنا اليوميّ. فمعظم ما فعله الدين والمسيحية لسنين عديدة هو إعطاء تعاليم عظيمة عن يسوع وكنيسته. وقد حان الوقت للانتقال من التعليم عن الكنيسة لكي نصبح نحن الكنيسة (أف 10:3؛ مت 18:16).
ولا نستطيع أن نكون كنيسته ولا أن نحيا حياته ما لم يحبّ أحدنا الآخر ونضحيّ أحدنا في سبيل الآخر كل يوم. يمكننا أن نساعد أحدنا الآخر لمعرفة يسوع بمساعدته على الابتعاد عن الخطية، ومحبة أحدنا للآخر بشكل أعظم، وبالاهتمام باحتياجات الآخرين أكثر مما نهتم باحتياجاتنا الشخصيّة. هذه هي تعاليم يسوع، وهذه هي الطريقة التي عاشها من أجلنا، ودعانا لكي نحياها من أجل الآخرين. وهذه هي الطريقة التي “هيّأت” العروس “نفسها” من أجل رجوع العريس، يسوع. ونزداد جمالاً كلما تعلّمنا كيف نحبّ أحدنا الآخر بالحقّ. وبينما نطرح عنا الأنانية والكبرياء اللتين تفصلاننا أحدنا عن الآخر، وبينما نفتح قلوبنا طوعاً لنكون حسّاسين مع الآخرين ينسكب علينا روح الله ونعمته ومحبته... وعندها نصبح العروس الجميلة المستعدة لرجوع العريس، يسوع.
هذه هي الكنيسة، أن نعيش كذلك يومياً لا أن نحضر اجتماعاً في بيت الله وإنما نكون المكان الذي يعيش فيه الله. وعندها تصبح بيوتنا وأماكن عملنا وكنيستنا كلها واحدة. ولن توجد عوائق بين قلبي وقلبك ولا حواجز بين بيتي وبيتك. أضع جانباً الأنانية والكبرياء والكسل وعدم الإيمان، وأحبّ الآخرين كما أحبّني يسوع. عندما يفعل كل إنسان ذلك من صغيرنا إلى كبيرنا فإن يسوع يسكب زيته الشافي ونكون نحن كنيسته، العروس الجميلة. لم يأتِ يسوع ليجعلنا أكثر ذكاء، لقد أتى ليعطينا حياة أفضل- لكي نختبر حياته يومياً في كل منا، لا أن نقول عبارات مستعارة ونرنّم ونصلّي كلمات دينيّة تطلق من وراء زجاج الكنائس الملوّن!